تخطى إلى المحتوى

سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات

مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات يُشكّل حجر الزاوية في ضمان استقرار الأحكام ومنع تجديد التقاضي لنفس الفعل. إليك مقالًا قانونيًا يوضح مفهوم سابقة الفصل في الدعوى الجنائية، ومتطلبات قبول الدفع بسابقة الفصل، والآثار العملية لقبول الدفع بسابقة الفصل في الدعاوى الجنائية، بالإضافة للإجابة على أهم الأسئلة الشائعة حول هذا الموضوع.

لاستشارة قانونية من أفضل محامي جنائي في الإمارات، اضغط على زر الواتساب أسفل الشاشة.

مفهوم قانوني لسابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات

مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية يعني أن الدعوى الجزائية لا يجوز إعادة نظرها أمام المحكمة إذا سبق أن تم الفصل فيها بحكم قد أصبح باتًّا أو حكم نهائي من محكمة مختصة بشأن ذات الموضوع ونفس الأطراف. هذا المبدأ يهدف إلى ضمان الاستقرار القانوني ومنع تكرار المنازعة حول نفس الوقائع.

وهو مرتبط بمفاهيم أخرى مثل التنازل عن الدعوى الجنائية أو انقضاء الدعوى الجزائية، بمعنى أن الدعوى لا تلبس من جديد إذا سبق فصلها أو استنفدت الإجراءات القانونية. في حالات معينة، إذا صدر حكم ببراءة أو عدم وجه لإقامة الدعوى، قد يُعتبر الدفع بسبق الفصل متاحاً لمنع إعادة الدعوى عن نفس الفعل.

إذ أن من الحقوق الأساسية في النظام الجنائي أن لا يعاد مَن وُجِد براءته من نفس الواقعة أمام محكمة أخرى، إذ ستكون الدعوى مُنقضية بمبدأ سابقة الفصل.

يُستخدم هذا الدفع في المرافعات من قبل المتهم أو دفاعه، أو تُثيره المحكمة تلقائيًا إذا تبين لها أن القضية تم البت فيها سابقًا.

الشروط والمتطلبات التي يجب توفرها ليُقبل الدفع بـ “سابقة الفصل”

لكي يُقبل الدفع بسابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات، يجب توافر مجموعة من الشروط القانونية التي تضمن أن الموضوع فعلاً هو نفسه، وأن الحكم السابق صحيح الاستناد، وأن الدعوى الجديدة لا تغرف أو تتجاوز الواقع الذي فصل فيه. الشروط الأساسية لقبول الدفع بـ سابقة الفصل:

  • تطابق الأطراف: أن يكون المتهم في الدعوى الجديدة هو نفسه الشخص المحكوم عليه سابقًا، أو يكون الحكم السابق قد شمل الطرف المعني بالدعوى.
  • تطابق الموضوع أو الواقعة: يجب أن تكون الدعوى الجديدة متعلقة بنفس الفعل المادي أو القانوني الذي تم الفصل فيه سابقًا، وليس فعلًا مختلفًا أو ظرفًا مختلفًا يكوّن جريمة جديدة.
  • حكم بات أو قابل للحجية: أن يكون الحكم السابق قد بات (لا يقبل الطعن بعدة درجات) أو يُعترف به بصفة تجعله مانعًا قانونياً.
  • وجود حكم نهائي أو قرار قضائي يُفصل في الدعوى: الحكم الذي يُقام عليه الدفع يجب أن يكون قد صدر من جهة مختصة وبصيغة تتناول أساس الدعوى.
  • أن لا تكون هناك دلائل جديدة تغير الواقع: إذا ظهرت أدلة في القضية الجديدة لم تكن متوفرة في القضية السابقة وكان من شأنها تغيير النتيجة، قد يُنظر في مدى جواز تجديد الدعوى (كما سنذكر لاحقًا).
  • أن يُقام الدفع في الوقت المناسب: في بعض القوانين، الدفع بسبق الفصل يُعد من الدفوع الجوهرية، فيتعين أن يُعرض على المحكمة في المراحل التي تكون الدعوى قابلة لها، وإلا قد يُفوت حق الدعوى.

موقف محكمة النقض وأحكامها المتعلقة بسبق الفصل

محكمة النقض الاتحادية (أو محكمة التمييز في بعض الإمارات) تناولت مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات في عدة أحكام، ولاسيما في حالات الطعون الجنائية. من أبرز هذه الأحكام:

  • في الطعن رقم 1411 و1453 لسنة 2022 جزائي، رُدَّ الحكم الذي لم يعن بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، واعتُبر الدفع جوهريًا يجب أن يُبحث من المحكمة بالرغم من ترفعه في الطعن، ونُقِض الحكم لعدم التقيّد بذلك.
  • هناك قرارات تشير إلى أنه إذا لم تورد محكمة الموضوع أو الاستئناف رأياً في الدفع بـسبق الفصل، يُعد الحكم ناقصًا، لأنها لم تراعِ حق الدفاع أو المبدأ النظامي.
  • في بعض الطعون في المحاكم الاتحادية العليا، تم رفض الدفع بسبق الفصل إذا تبين أن الوقائع أو الأساس القانوني بين الدعويين يختلف، أو إذا الطعن في الدعوى الجديدة يرتبط بفعل إضافي أو ظرف جديد لم تكن القضية الأولى تناولته.

من هذا يُستفاد أن محكمة النقض تشدّد على أن الدفع بسبق الفصل لا يُهمل، وأنه من أخطاء تطبيق القانون إذا تغاضت عنه المحكمة دون مبرر، كما يجب أن توضح المحكمة موقفها منه في الحكم.

الآثار العملية لقبول الدفع بـ سابقة الفصل في الدعاوى الجنائية

إذا قبلت المحكمة الدفع بسبق الفصل، فإن لذلك آثارًا مهمة على الدعوى الجنائية:

  1. رفض الدعوى أو وقف نظرها: المحكمة قد تقضي بعدم جواز نظر الدعوى أو ترفض قبولها من الأساس، بناءً على أن الدعوى قد سبق الفصل فيها.
  2. عدم تجاذب أطوار التقاضي أو النطق بعقوبة: لا يُمكن للمدعي (النيابة) أو المحكمة أن تتابع إجراءات التحقيق أو النظر في الدعوى الجديدة بمجرد أن يُقرَّر الدفع مرفوضاً أو تُستنكر الدعوى لمبدأ سبق الفصل.
  3. تثبيت الحكم السابق كحكم نهائي: الحكم السابق يُعطى حجية الأمر المقضي، ولا يُباح المساس به إلا في حالات استثنائية (كإبطال الحكم السابق أو الطعن فيه إذا لم يكن باتًا بعد).
  4. عدم استنزاف موارد الدعوى: من ناحية عملية، قبول الدفع يوفر الوقت والتكاليف ويمنع تكرار التقاضي في نفس الموضوع.
  5. حدود التأثير على الدعوى المدنية المرتبطة: إذا كان هناك دعاوى مدنية تبعية أو مطالبات حقوق مدنية مرتبطة بالقضية الجنائية، لا يعني قبول الدفع بـسبق الفصل بالضرورة القضاء المطلق في الدعوى المدنية، إذا كانت المطالبة المدنية مستقلة أو مستندة إلى أساس مختلف.
  6. التزام المحكمة بالتقرير في الدفع في أي مرحلة: كما في الطعن سالف الذكر، الدفع بسبق الفصل يُعد دفعًا جوهريًا، ومن المفروض أن تنظر فيه المحكمة بنفسها ولو في مرحلة الطعن (نقض) إذا لم يُعَدَّ في مرحلة أقرب.

التحديات والاعتراضات الشائعة على مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية

بينما يُعَد مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات من المبادئ الثابتة في النظام الجنائي، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات واعتراضات عملية، منها:

  • ظهور أدلة جديدة قوية لم تكن متوفرة في الدعوى السابقة: قد يدّعي المدعي أو النيابة أن هناك أدلة جديدة تم الحصول عليها بعد صدور الحكم السابق، ويتطلب الأمر النظر فيما إذا كانت تلك الأدلة تجعل من إعادة الدعوى واجبة. هذا قد يُشكّل استثناء محتمل على مبدأ سبق الفصل بشرط أن تكون الأدلة حقًا جديدة وليس معلومة مسبقًا.
  • اختلاف في التوصيف القانوني أو تعديل التهمة: إذا تم تعديل وصف الفعل أو التهمة في الدعوى الجديدة، قد يُجادَل بأن الدعوى ليست “نفس الواقعة” بالمعنى القانوني، مما يُضعف الدفع بسبق الفصل.
  • عدم باتّ الحكم السابق بعد: إذا الحكم السابق لا يزال قابلاً للطعن ولم يُبتّ فيه في جميع درجات التقاضي، قد يُعارَض بالدفع بسبق الفصل لعدم تمام الحُجية، أو يُؤخَذ في الحسبان أن الدعوى لم تنقض بعد.
  • إخلال بالإجراءات أو بطلان الحكم السابق: إذا وُجد أن الحكم السابق شابته مخالفة أو بطلان في الإجراءات، قد يُطلب إبطال الحكم السابق أو عدم اعتماده مبدئيًا. في هذه الحالة، الدفع بسبق الفصل لا يُستَند إليه.
  • تعدد الأفعال أو الجرائم المتصلة: في قضايا الجرائم المتكررة أو الجرائم التي لها امتداد زمني، يثار الجدل عما إذا كانت الدعوى الجديدة تُشكّل تكرارًا أو استمرارًا أو جريمة جديدة، فهل يُطبَّق الدفع بسبق الفصل أم لا؟ مثلاً الجرائم المستمرة أو المتوالية قد يُنظر إليها كجرائم جديدة إذا تغير الزمن أو الوقت أو الوسيلة.
  • إغفال المحكمة ذكر الدفع في الحكم: قد تُصدر المحكمة حكمًا دون أن تبيِّن موقفها من الدفع بسبق الفصل، ما يكون فيه الحكم معيبًا من الناحية الإجرائية أو مَحِل نقد في الاستئناف أو النقض.

الأسئلة الشائعة حول سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات

نعم، يُعد الدفع بسبق الفصل دفعًا جوهريًا متعلقًا بالنظام العام، وعليه فإن المحكمة مطالبة بدراسته في أي مرحلة من مراحل الدعوى، حتى في مرحلة الطعن أو النقض، إذا لم يُطرح في مراحل أدنى.

إذا كان الحكم السابق صادرًا عن محكمة مختصة حتى وإن كانت مختلفة، ويطابق الموضوع والأطراف، فإنه قد يُعتد به لسبق الفصل، بشرط أن التحكيم أو التعديل لم يغيّر من الأساس القانوني أو الواقعي الذي تم الفصل فيه، وإلا قد يُجادَل بأن الدعوى الجديدة ليست مطابقة تمامًا.

في حالات نادرة يمكن رفع دعوى جديدة إذا ظهرت أدلة جديدة قوية فعلاً لم تكن متاحة أو معروفة وقت الدعوى السابقة، قد يُستثنى مبدأ سبق الفصل، لكن الأمر يعتمد على تقدير المحكمة ما إذا كانت تلك الأدلة تغير الموقف القانوني أو الواقعي.

يُثبت أمام المحكمة أن الحكم السابق هو نفس الوقائع في الدعوى الحالية من خلال مقارنة نصوص الوقائع والاتهام في القضيتين، عرض نسخ من الحكم السابق وملف القضية، وبيان أن الوقائع والعناصر القانونية هي نفسها. يُفضل تقديم مستندات رسمية وحيثيات الحكم السابق لدعم الطلب.

مبدأ سابقة الفصل في الدعوى الجنائية في الإمارات من الدفوع التي تتعلق بالنظام العام التي لا تُهمل. لكن تطبيقه ليس بسيطًا دائمًا، بل يتطلب تحقق شروط دقيقة، فموقف محكمة النقض يُبرز جدية الانتباه إليه، والآثار العملية لقبوله كبيرة، كما أن التحديات تتطلب فهماً دقيقًا من مكتب استشارات قانونية جنائية عند الدفاع أو التمثيل في القضايا الجنائية.

تنويه قانوني: المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تثقيفية فقط، ولا تشكّل مشورة قانونية. للحصول على استشارة قانونية مخصّصة يُرجى التواصل مع محامٍ مرخَّص في الإمارات.

وللمزيد يمكنك التعرف على أفضل محامي استئناف قضايا جنائية في الإمارات، بالإضافة إلى استشارات قانونية في الإمارات، وأيضًا محامي في أبوظبي متخصص في القضايا الجنائية.


المصادر:

  • مرسوم بقانون الإجراءات الجزائية الاتحادي (قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي) (تشريعات الإمارات).
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي